
بقلم: محمد أبو الحديد
E-mail: mabuelhadid@yahoo.com
عاشت نقابة الصحفيين المصرية أكثر من نصف قرن. أي ما يزيد علي ثلثي عمرها. بدون "سلالم". قبل أن يتم إنشاء مبناها الحالي. بسلالمه الشهيرة.
وطوال تلك الفترة الممتدة. لم تكن النقابة بمبناها القديم. ذي الحديقة الواسعة. ساحة للتظاهر من جانب أي فئة من فئات الشعب. أو ميداناً لعرض مطالب فئوية فردية أو جماعية. أو مهاجمة مؤسسات الدولة وقياداتها ورموزها.
كان كل صاحب قضية. أو رأي. أو مطلب. يتجه بقضيته أو رأيه أو مطلبه إلي الصحافة. وليس إلي النقابة.
وكانت أبواب الصحف. وصفحاتها. سواء الصحف القومية. أو الحزبية. أو الخاصة بعد ذلك. مفتوحة دائماً لكل هؤلاء. تعرض قضاياهم. وتنشر آراءهم. وتتبني مطالبهم المشروعة. وتدافع عن كل مظلوم حتي يتم إنصافه. وتساند كل صاحب حق حتي يستعيد حقه.
ومازالت الصحافة المصرية. بكل مكوناتها. تمارس هذه المهمة.. وستظل كذلك. فلهذا تصدر الصحف. لتعبر عن الشعب. وتحمي حقوقه وحريته في التعبير. وتدافع عن قضاياها. في نفس الوقت الذي تنير أمامه الطريق. وتسهم في زيادة وعيه السياسي والثقافي والاجتماعي. حتي يكون قادراً علي معايشة عصره. وإطلاق أحلامه. والتعرف علي التحديات والمخاطر التي تحيط به أو تعترض مسيرته.
هذا دور الصحافة. الذي لم. ولن تتخلي عنه أو تقصر فيه تحت أي ظرف.
هنا تثور عدة أسئلة ضرورية:
* هل كانت نقابة الصحفيين طوال تلك الفترة الممتدة. نقابة خدمات فقط وليست نقابة رأي؟!
* هل كانت نقابة الصحفيين طوال تلك الفترة الممتدة. نادياً اجتماعياً مثلاً وليست نقابة سياسية؟!
* هل حال اتجاه كل صاحب قضية أو رأي أو مطلب إلي الصحافة وليس إلي النقابة. دون أن تمارس النقابة دورها الوطني في مساندة كل قضايا الوطن والشعب والدفاع عن الحقوق وحماية الحريات؟!
* باختصار: هل سلالم مبني النقابة. وإتاحتها كمنبر لكل من هب ودب. دون تمييز كما يحدث أحياناً الآن لإطلاق ما يشاء من الشعارات أو الهتافات. هو ما صنع أو يصنع الدور الوطني لنقابة الصحفيين؟!
مخطئ تماماً من يتصور ذلك.
فالنقابة خلال تلك الفترة الممتدة. وبدون سلالم للتظاهر. وبدون قاعات للإيجار أو الاستضافة لعبت أقوي أدوارها السياسية.. خاضت في مقدمة الصفوف كل معارك الوطن. ودافعت عن كل قضايا الشعب. وهذا ما جعلها تستقر في الذاكرة الوطنية. كرمز من رموز نضال المصريين في تاريخهم الحديث. وما صنع وأسس لدورها المعاصر.
قاومت نقابة الصحفيين الاحتلال الأجنبي لمصر قبل ثورة يوليو 1952 مع من قاوموا.. ساندت الثورة وأيدت شعاراتها مع من أيدوا.. دافعت عن حرية الصحافة كجزء من حرية المجتمع كله.. رفضت الاحتلال الإسرائيلي لسيناء وتصدت له. واحتفلت بنصر أكتوبر وكانت في طليعة من بشروا به. ووقفت ضد التطبيع مع العدو الإسرائيلي. وساندت المطالب التي رفعها طلبة الجامعات في مظاهراتهم قبل أكتوبر وبعده.. إلي آخره. ثم قاومت محاولات تحويلها إلي ناد اجتماعي للحد من دورها السياسي.
كان الأصل في كل هذه المواقف. هو الصحافة. وأقلام الصحفيين أعضاء النقابة. وكان مجلس النقابة يعبر عن ذلك بالبيانات والفعاليات المختلفة.
وكان هناك دائماً "كبار" يقودون النقابة بوعي بقضايا الوطن الحقيقية. ومن هو العدو أو الأعداء الذين يجب التصدي لهم.. وبحكمة وبصيرة بالظروف والمتغيرات. وبمتي يقولون كذا أو يفعلون كذا. وكيف. في نفس الوقت الذي كانت النقابة تقدم خدماتها للصحفيين دون تقصير. وتسعي كل يوم لتعزيز مكاسبهم.
***
إن إحدي قضايا الوطن الرئيسية اليوم. ولا أريد أن أقول إنها القضية الأولي. هي الوقوف ضد الإرهاب ومكافحته حتي القضاء عليه.
وسبق أن أشرت في مناسبات سابقة في هذا المكان إلي أنه. أينما حل الإرهاب. جاء معه بالقيود والإجراءات الخاصة التي قد تمس الحريات العامة وحقوق المواطنين.
الإرهاب إذاً. هو المشكلة الأصل.. والقيود والإجراءات الخاصة هي النتيجة.. الإرهاب هو المرض والقيود والإجراءات هي أعراض هذا المرض.
ولسنا حالة استثنائية بين دول العالم. أياً كانت الأنظمة السياسية الحاكمة في هذه الدول.
وبالمناسبة. ليس دقيقاً ما أعلنه الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند خلال زيارته للقاهرة. من أن فرنسا تكافح الإرهاب دون مساس بالحريات العامة وحقوق المواطنين.
فرنسا عقب تعرضها لهجمات إرهابية "عارضة" وليست "معايشة" مثلما الحال عندنا. استدعت الجيش للنزول للشوارع.. أعلنت حالة الطوارئ.. فرضت إجراءات أمنية وقيوداً إضافية علي القادمين إليها والمغادرين لها في المطارات والمواني الفرنسية.. استخدمت أنظمة مراقبة وتتبع للاتصالات الهاتفية الخارجية منها وإليها. حتي تتوصل إلي مرتكبي الهجمات.
أليست كل هذه. قيوداً وإجراءات تمس حريات وحقوق المواطنين. حتي لو كان تطبيقها قد تم أو يتم بصورة مؤقتة؟!
الدولة المصرية مسئولة دستورياً عن حماية الوطن والمواطنين من الإرهاب. والجيش والشرطة يقدمان الضحايا كل يوم من أجل ألا يطول الإرهاب حياة المدنيين من أفراد الشعب..
والدولة تضطر في سبيل ذلك إلي أن تتخذ بعض الإجراءات التي تساعدها في هذه المهمة. وعلينا أن نتفهم الظروف التي تستدعي ذلك. وأن نركز حربنا ضد المرض وليس ضد أعراض المرض.
الظروف الحالية تفرض ضرورة التوحد مع الدولة لدحر الإرهاب. من أجل إنهاء سريع لأي قيود أو إجراءات خاصة تمس حريات أو حقوق الأفراد أو الجماعات. ومن أجل انطلاق التنمية في كل ربوع مصر. متحررة من أي خوف أو تهديد.
إن القول بمواجهة الإرهاب بمزيد من الحريات. لا يعدو أن يكون شعاراً نظرياً غير قابل للتطبيق في مجتمع يخوض معركة "يومية" ضد هذا الإرهاب. ولا يفرق البعض فيه بين الحرية المسئولة والفوضي. وليس مجتمعاً يتعرض لهجمة أو عملية إرهابية مرة كل سنة مثلاً أو استقرت فيه ثقافة الحرية والديمقراطية بتقاليدها الراسخة عبر ممارسة تاريخية طويلة.
تجاهل هذه الظروف. أو عدم الوعي بها لا يساعد علي سرعة وكفاءة الدولة في هزيمة الإرهاب وتحرير الوطن والمجتمع من شروره وتباعاته في كل مناحي الحياة.
نقابة الصحفيين. وقيادتها. تعبر عن كل الصحفيين. حين تقدر حجم الأخطار والتهديدات الداخلية والخارجية التي يتعرض لها الوطن.. وحين تدرك أن الإرهاب ومن يساندونه. وليس الدولة. هو العدو الذي يجب أن نحشد كل جهدنا لمحاربته. وأننا مضطرون للصبر علي الدواء المر حتي يتخلص المجتمع كله من هذا المرض اللعين.
ولا أعتقد أنه يوجد صحفي واحد من أعضاء النقابة يؤيد الحبس في قضايا النشر. أو يساند المداهمات والاعتقالات العشوائية لصحفيين أو غير صحفيين. أو احتجازهم مدداً طويلة علي غير ذمة قضية. فكل تزيد أو مبالغة في القيود والإجراءات الخاصة ضد المواطنين مرفوض.
لكن. في نفس الوقت. علينا. صحافة ونقابة. أن نتخذ المواقف الصحيحة. ولا نقود المهنة. أو الرأي العام في الاتجاه الذي يزيد تفاقم المشاكل.. لابد أن تكون القيادة بوعي وحس وطنيين.
إن إتاحة سلالم النقابة. أو مبناها دون تمييز. لمن يرفعون شعارات ضد الدولة. أو يهاجمون مؤسساتها الوطنية التي تخوض وتقود الحرب ضد الإرهاب وتقدم الضحايا من شبابنا كل يوم. لا يمكن أن يخدم أي قضية سياسية أو وطنية أو مهنية للصحفيين أو لنقابتهم أو للوطن كله.. إنه يخدم فقط الإرهاب ومن يساندونه. ويدفع إلي مواجهة غير مطلوبة.
إن مبني النقابة ملك لكل الصحفيين وليس لمن يقيمون فيه.. وكذلك الصحافة. ملك لكل المصريين وليس لمن يعملون بها وحدهم.
وهذه في رأيي هي "البوصلة" الصحيحة التي يجب أن نلتزم جميعاً بها. سواء في قيادة المهنة. أو في قيادة الرأي العام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق